السبت، 10 ديسمبر 2011

هل يمكن أن نحيا حياة أفضل - 7


شَكْوَى النُّفُوسِ المُتَضَائِلَة
مَدْخَل
أَرى ما أُريد من الناس: رغبتَهمْ في الحنينْ
إلى أيِّ شيء. تباطؤهم في الذهاب إلى شُغْلِهمْ
وسُرْعتَهُمْ في الرجوع إلى أهلهمْ ...
وحاجتهم للتحيِّةِ عند الصباح ...
تَخَفَّفْنَا مِنَ الجَمِيْل فَصِرنَا أَثْقَل
تدهشنا دائما قدرتنا على الاحتمال فوق ما نتصور أو اقل بقليل، رغم أننا عشنا مع انفسنا وقتا طويلا جدا – عمرا بحاله – إلا أن الاحتمال والألم لا يكونان أبدا كما نتوقعهما. شهدنا في بلادنا حروبا طويلة وقصيرة ومفاجئة وسريعة. شهدنا انقسام الوطن الذي كنا نرسمه دائما بيسر شديد، ولا اعرف كيف يرسمه الأطفال في المدرسة بعد ولم أجرب. وشهدنا حروبا في الوطن بحدوده الجديدة. شهدنا غلاء فاحشا وعنتاً في الحياة اليومية. شهدنا انهيار الآمال وازدهار الآلام. اخشوشن كل ما حولنا. اخشوشنت نفوسنا وغَلُظت أرواحنا في عالم يعيش على حافة الانهيار الاقتصادي والاجتماعي. تضاءلت نفوسنا فلم تعد تتسع حتى لنا، لم تعد تتسع إلا لاختيار ضيق من ذكرياتنا وحاضرنا وعلاقاتنا وخياراتنا المستقبلية. تخلصنا من كثير، تخففنا من كل ما استطعنا، ألقيناه لننطلق في مسيرة عجلى من التنافس المحموم حول أشياء لسنا متأكدين منها. في هذا العصر الذري لعلنا نقترب من حالة نصبح فيها مجرد ذرات وحسب.
لِمَنْ نِشْكُو مَآسِيْنَا
كلنا غير راضٍ، كلنا يشكو الآخرين الذين صاروا بائسين، كذابين، أنانيين، استغلاليين، جشعين، تافهين وحسودين. لم نتوقف – ونحن نتشاطر الشكوى والمواساة - لنسأل مرة من الآخرون؟ من الآخرون سوانا نحن. نشكو الظلم الذي يرتكبه الآخرون في حقنا وهو مثيل ما نرتكبه في حقهم. لا يمكن لشيء أن يكون عاما ما لم نفعله جميعا. أليس كذلك؟. القبح الذي ارتكبه – مع اختلافه عن قبحهم - ينضاف بعضه إلى بعض فيصبح واقعنا هو هذا الشيء الذي لا نطيقه. ما حدث هو أن كل منا شارك بشيءٍ ما – لا احد بريء - فتحول الواقع شيئا فشيئا إلى هذا القبح الذي نشكوه.
ليس للقيم العالية/ما نؤمن به/ما ندعيه/ما نتعلق به، معنى اذا لم يتحقق في حالة الاختبار الأقصى، عندما يكون التخلي عنها مغرياً. ليس لقيمنا فائدة اذا تنازلنا عنها عند كل منعطف وأزمة. ليس لأفكارنا قيمة اذا تخلينا عنها كلما شعرنا أنها مكلفة، لا أنها خطأ. ليس لذواتنا قيمة إن لم تتجسد ويتحقق وجودها، اذا لم نرفض الإلغاء والتنازل الرخيص. لكننا نفعل. نقول إنها قضمة صغيرة ولن يراها احد، هزيمة صغيرة نحقق بعدها النصر، زلة صغيرة قف بعدها على أقدامنا. هذا التصاغر المستمر هو ما يجعلنا صغاراً. نكذب، نتجمل، نلوم الآخرين والبلد، المجتمع والعالم، والظواهر الكونية وربما حتى الحياة التي لم تثبت بعد في المجرات البعيدة. لكن ذلك لا يبرر هزيمتنا واستسلامنا، حياتنا أصبحت لا قيمة لها، لا نذوق طعم إنجاز ولا نجاح؛ لا إن إنجازاتنا تكاد تصبح هزائم. مهزومون دائماً ولا أفق نتطلع إليه لا فجر ولا شروق، فقط عتمة باهرة نكاد نظنها ضوءاً.
كنت أتعجب دائما لماذا ونحن قوم جميلو الخصال والروح، لماذا نستسلم للقبح بسهولة ونصبح ما نحن عليه. لماذا إمكاناتنا وقابلياتنا الرائعة لا تتبرعم وتثمر بمثل سهولة القبح. على المستوى النفسي والاجتماعي والوجداني والسياسي اصبحنا شديدي القبح، لا نطيق حتى انفسنا دع عنك العالم. الخناق يشتد حولنا، فنهاجر، نتبعثر، نغترب، نَفسَد، نُفسِد، ولا نعرف المخرج من هذا.
نَسْنُدُ الأُفقَ المُهَدَّد بالسُّقُوط
عند خط الأفق تلامس السماء الأرض، انه إمكان حدوث المستحيل. رغم أن الأفق – لحسن الحظ ربما - يمضي دائما أبعد، فان حركتنا نحوه هي ما يمنحنا القوة للمضي في رحلتنا، انه قريب جدا، نحو ميل أو يزيد قليلا. علينا أن نلم شعث نفوسنا المهزومة وأشلاء جمالنا المبعثر وأرواحنا التائهة لنصنع من حياتنا شيئا قابلا للاحتمال. علينا أن نجعل حيواتنا تستحق أن نعيشها. فلنتماسك قليلا ولنمسك بما تبقى لنا نصنع منه حياة جديدة.
قبل أن نشكو قبح الآخرين علينا أن نتخلص من قبحنا الخاص. نبادر بالجميل فنُواجَه بالقبح في البداية، لكن فعلنا هذا ينخر في جدران قبح أولئك الناس ليهدمها في النهاية، ردودهم السخيفة وصفعاتهم ولؤمهم، ربما تكون بداية نهاية القبح وبداية انتصارنا وانتصار الجمال. لا بد أن يبادر احد – أليس كذلك؟ - لأننا إذا انتظرنا طويلا فإن الخوف أو الجبن سيهزمنا كليةً فلا يجرؤ أحد على الإطلاق لتجربة الجميل. من يبادر يتحرر أولا، يضع عنه العبء والوزر القبيح، يصبح خفيفاً فعلا، يستفز من حوله، يدفعهم للإيمان ويمنحهم القناعة. لكن عليهم وحدهم أن يجدوا اليقين أو المغامرة ليخرجوا إلى النور.
تَذْيِيْل
وردٌ على الأنقاض :
سَتُواصِلُ الأزهارُ مهنتها و تطلعُ في الربيعِ
أمامَ أحداقِ البنادقِ غيرَ آبِهَةٍ بأعباءِ الحِصارِ
فربَّما صارت هديَّةَ طِفلةٍ لأبٍ يعودُ ،
و ربَّما وخزتْ بجنديٍّ من الغرباءِ ذاكرةَ الطفولةِ فانحنى يبكي
(حسن إبراهيم – شاعر سوري)