الخميس، 26 فبراير 2009

شِيفْرَة دَافِنْشِي .. كَيفَ سَرقَت الوَثَنِـــيَّة رِوَايةً عَظِيمَة

شِيفْرَة دَافِنْشِي
كَيفَ سَرقَت الوَثَنِـــيَّة رِوَايةً عَظِيمَة

في مطلع الألفية الثالثة، ومع كل الإنجازات البشرية في العلوم والتقنية والاتصالات والسيطرة الظاهرة على الطبيعة لا يزال الدين، كما كان من قبل، أهم قضية يمكن أن تشغل الناس في كل أنحاء العالم. إن فيلم شيفرة دافنشي لا يعدو أن يكون واحداً من الكثير من الأدلة التي تقدمها السينما وحدها، فقبل عامين فقط أنتج ميل غيبسون، من ماله الخاص، فيلم آلام المسيح الذي أثار جدلاً كبيراً في جميع أنحاء العالم وهيج مشاعر المسيحيين وألهب حماستهم، وأغضب اليهود، وعاد على صاحبه بأكثر من 250 مليون دولار تساوي عشرة أضعاف التكلفة الأساسية للفيلم.
أما الأفكار التي تتعلق بالدين والإيمان فإنه يتم تناولها بشكل مستمر في كافة القوالب الفنية كما رأينا في "بروس بالغ القدرة" Bruce Almighty الذي يجسد فيه جيم كاري شخصية بروس الفاشل والمتذمر دائماً من الأقدار، إلى حد أن الرب يستدعيه ويناقشه، ثم يمنحه صلاحياته الكاملة لعدة أيام لِيَرَى بروس إن كان يستطيع إصلاح حاله بيده أكثر من الرب. إن هذه الفكرة بالغة الجرأة لكن ما دونها من أفكار تناقشه الكثير من الأفلام، و يمكننا أن نتوقع المزيد من هوليوود في السنوات القادمة.
الرواية :-
((جمعية سيون الدينية(1) هي منظمة حقيقية .... إن وصف كافة الأعمال الفنية والمعمارية والوثائق والطقوس السرية في هذه الرواية هو وصف دقيق وحقيقي)).
بهذه العبارات المثيرة للقلق يقدم دان براون لروايته المدهشة والمزعجة في آنٍ واحد. وبطول الرواية التي تقارب صفحاتها الخمسمائة صفحة (حسب النسخة العربية من الدار العربية للعلوم – بيروت، لبنان) تغمرك التفاصيل المدهشة للطقوس والعبادات والمعلومات التاريخية والمعمارية والوصفية التي لا بد أن جمعها استغرق وقتاً طويلاً من دان (وزوجته التي هي مؤرخة في الفن ورسامة) واستوجب شكراً جزيلاً لمؤسسات متعددة ثقافية وفنية ومتاحف ومحطات إذاعية في فرنسا وبريطانيا وأمريكا وأفراد ينتمون لمؤسسات دينية عديدة.
إن الاعتماد على الكثير من الحقائق كأساس لرواية خيالية هو أمر مقلق جداً، وخصوصاً إذا كانت الخلاصة مفارِقة لكل المسلمات والمعتقدات. أثناء القراءة، دائما،ً يتبادر السؤال وفي كل جزئية أين تنتهي الحقيقة ويبدأ الخيال. الحقائق والخلاصة هي ما حدا بمؤسسات دينية كنسية للمطالبة بحظر الرواية في الدول التي يمكن أن تفعل ذلك (ليس في أمريكا وفرنسا على كل حال)، وشُنَّت حملات مضادة على الراوي والرواية، وتم تأليف عدة كتب في الرد على ما جاء فيها، أبرزها حتى الآن "الحقيقة وراء شفرة دافنشي"(2)، "وحل شفرة دافنشي"(3)، و"الحقيقة والخيال في شفرة دافنشي"(4). أما المقالات فهي تملأ الصحف والمجلات والدوريات ومواقع الإنترنت بكل اللغات. والردود جاءت من قساوسة أرثوذوكس مصريين وغيرهم في المنطقة. تُرجمت الرواية إلى 44 لغة وبيعت منها أكثر من ستين مليون نسخة تقريباً (حتى مارس 2006)، وتم حظرها في بعض الدول العربية والإسلامية منها مصر ولبنان والأردن وإيران (بطلب من الكنائس المسيحية).
لكن الأهم هو أن الرواية في حد ذاتها مشوقة جداً، وإذا اعتبرناها مدهشة في الكم الهائل من التفاصيل الفنية والتاريخية والمعمارية والطقسية الذي ترويها، وعلى مهل، فإن التشويق الحقيقي هو أهم ميزات الرواية وهو الأمر الذي حفز الملايين لقراءتها.
إن دان براون نفسه لم يكن روائياً مشهوراً قبل "شفرة دافنشي"، لقد كان روائياً جيداً فحسب. لكن الحرفية العالية التي أظهرها في هذه الرواية تؤكد على موهبته ومقدراته العالية كراوي لكن ليس بالضرورة أن يكون في مصاف الروائيين العظام. إنه راوي بارع في فن الرواية البوليسية (تجاوزاً) وشفرة دافنشي ترفع من شأن هذا النوع الروائي بنجاحها الكاسح، والذي من جهة أخرى عاد بالمزيد من المبيعات لروايات دان براون السابقة والمزيد من التقدير له (وأيضاً المزيد من الأفلام المقتبسة عنها).
إذا كنت مثلي ممن يستمتعون بالعمل الفني باسترخاء كامل ولا يُقلقون أنفسهم بتوقع مسار الأحداث، وليست لديهم رغبة في اتخاذ موقف أو البحث عن فكرة مسبقة، فإنك ستستمتع كثيراً بكل المنعطفات التي تزخر بها الرواية من الفصل الأول وحتى الصفحات الأخيرة. وإذا كنت من الآخر الذي يستمتع بتوقع الأحداث فاستعد لمواجهة الكثير من المفاجآت والمنعطفات.
عن أي شيء تحكي شفرة دافنشي
يمكنك أن تعتبر الرواية مجرد قصة بوليسية عن عالم رموز يكشف ملابسات مقتل القيم على متحف اللوفر كما يحكي ملخص القصة، لكن هنالك فكرتان جوهريتان تدور حولهما الرواية، الفكرة الأولى تقول أن الكنيسة شوهت الديانة المسيحية بعدة أمور:-
1. منها تأليه المسيح ونفي الصفة البشرية عنه.
2. ومنها التأثر بالعبادات والرموز والطقوس الوثنية التي كانت غالبة في روما وما حولها أيام إقرار الإمبراطور قسطنطين المسيحية ديناً رسمياً للدولة في العام 325م، هذا الجزء هو الذي يحصل على أكثر الشواهد من الحقائق التاريخية والمعمارية والفنية والطقسية (وهذا الجزء مع قضية زواج السيد المسيح من المجدلية ربما يكونان السبب الرئيسي وراء حملة الكنيسة عليه).
3. ومنها أن الكنيسة هضمت دور المرأة في الدين وفي الحياة، ثم أقصتها تماماً بل واتخذت مواقف سلبية تجاهها إذ حملتها عبء هبوط أو طرد آدم من الجنة ومعاناة البشر بعد ذلك واعتبرتها رأس كل شر وهذا (حسب الرواية) لم يكن أصيلاً في المسيحية التي تظهرها على الأقل الأناجيل الغنوصية (Gnostic) التي رفضتها الكنيسة رفضاً تاماً مثلما فعلت مع عدد آخر من الأناجيل.
الفكرة الجوهرية الثانية ذاتُ صلةٍ بالأولى، فموضوعها أيضا هو المرأة وبالأصح (الأنثى المقدسة). الرواية تقول أنه في تاريخ الإنسانية القديم، والوثني بالأخص، وجدت المرأة، بسبب أنها تمنح الحياة بالولادة، تقديراً كبيراً وصل درجة التقديس في بعض المجتمعات القديمة. الأنثى المقدسة مفهوم وثني قديم ومعروف وتوجد شواهد عنه في عدة مجتمعات قديمة في الشرق والوسط (في الهند ومصر القديمة على سبيل المثال).
إن الانتقاص من قيمة المرأة ومكانتها في المجتمع هو أمر حدث لاحقاً، أي بعد المسيحية، والجهة صاحبة الجهد الأكبر في التقليل من قيمة المرأة هي الكنيسة (المؤسسة الرسمية للمسيحية) التي اتحدت روحها الذكورية مع التخلف السائد في أوروبا أوان اعتناقها المسيحية في القرون الميلادية الأولى. تقول الرواية أن الكنيسة أحرقت وأغرقت وأعدمت خمسين ألف امرأة بدعوى الهرطقة في حملة واحدة لإكمال السيطرة على النساء.
لكن لا يجب أن ننسى أهم موضوعات الرواية على الإطلاق، ليوناردو دافنشي الذي تحمل الرواية اسمه. إن دافنشي هو بحسب الكثيرين أهم فناني عصر النهضة في أوروبا، هذا الرجل الذي يعرفه اغلب سكان البسيطة بلوحته الأشهر، الموناليزا، يعرفه المسيحيون بصورة خاصة بلوحته "العشاء الأخير" التي رسم فيه السيد المسيح وحواريه في اللحظات التي سبقت القبض عليه، ويعرفه أهل الفنون برسوماته الأخرى الكثيرة، "عذراء الصخور" واسكتش الرجل الفيتزوفي (رجل يمد يديه إلى أقصاهما وتحيط به دائرة)، ويعرفه أهل العلوم بتصميماته المتقدمة على عصرها والجريئة للطائرة والغواصة والدبابة. تزين لوحات دافنشي مواقع كثيرة كنسية وفنية وغيرها لكنه رجل يثير الكثير من الجدل أيضاً بسبب مقدراته الفنية وبسبب حياته الخاصة. كان دافنشي معروفاً بالعبقرية والفسق والشذوذ الجنسي، ورغم ذلك تشكل اللوحات الدينية عن السيد المسيح والسيدة العذراء تراثه الفني الأهم، وتشكل غالبيتها والموجودة بمتحف اللوفر ثيمة أساسية تتنقل بها أحجية القصة الرئيسية.
الإشكالية
هنا نصل إلى إشكالية الرواية. فهي تتهم المسيحية بأنها غارقة في وحل الوثنية وفي بحر التزييف، ويسعى أبطال الرواية (الذين يؤازرون أخوية سيون – دير صهيون) إلى كشف حقائق مخيفة ومخفية من ألفي عام، لكن الأخوية لا يبدو أنها تهدف إلى الوصول إلى المسيحية النقية وإنما إلى الوثنية النقية. إن المفارقة الأكبر هي أن ذرية المسيح "عليه السلام" من مريم المجدلية (كما تقول الرواية) والتي تعيش حتى الآن في شخص جاك سونير لا تمارس المسيحية النقية وإنما تمارس العديد من الطقوس الوثنية مثل ييروس غاموس، وهو طقس وثني جنسي مورس آخر مرة قبل ألفي عام أي قبل المسيحية نفسها، ولعل هذا يبين أن الجماعة لا تنتمي للمسيحية وإنما تنتمي في الأصل للأديان الوثنية القديمة. إن الجماعة التي تحتج على وثنية الكنيسة هي أكثر وثنية من الكنيسة بكثير.
الموقف الثاني هو أن دان براون استغرقته تفاصيل الطقوس والعبادات، الوثنية بالأخص، وأسرته إلى حد أنه سلبت منه الرواية التي كان يريد حكايتها. لقد تورطت سلالة المسيح عنده بالوثنية إلى حد لا يمكن أن تتعاطف بعده معها، خصوصا أنها مفارقة للكنيسة المتورطة أيضاً في الوثنية، والتي تطارد أفرادها عبر التاريخ إلى حد القتل.
أين يقف دان براون
بعد كل هذا الهجوم المعلوماتي التاريخي العنيف على الكنيسة ووثنيتها (حسب الرواية) لا يقف دان براون ضد الكنيسة إطلاقاً، أو ربما لا يجرؤ على الوقوف ضدها. عموماً ليس من الجيد أن تحلل شخصية الكاتب، أو موقفه، بناء على شخصيات رواية من رواياته. لكن هذه رواية تتحدث عن الدين الذي يعتقده الرجل نفسه وتعتمد في اتهاماتها له على حقائق ومعلومات تاريخية موثقة ، فلا بد للرجل أن يقف في مكان ما.
برغم تعاطفه الواضح مع الجمعية السرية (صوفي وسونير) في سعيهم وراء الغريل المقدس، دماً كان أو كأساً، فإنه يتعاطف بدرجة أكبر مع الشخصيات المسيحية المتدينة فالقس "أرينغاروزا" هو رجل يسعى إلى إعادة الكنيسة إلى المسار الصحيح الذي ضلت عنه بتنازلاتها المستمرة، ولعلك تشعر بالتقدير الكبير له وهو يسعى لتخليص الكنيسة من عبء جمعية دير صهيون. وفي النهاية خرج من كل المشكلات التي حدثت جراء سعيه المحموم وراء الجماعة، ولم ينس أن يتبرع بأموال الفاتيكان لأسر من قتلهم تابعه المخلص "سيلاس". أما "سيلاس" نفسه فقد تطهر من كل الذنوب ووصل قبل موته إلى درجة من الصفاء والسلام الداخلي مع ماضيه وحاضره قبل الانتقال إلى الرب في جو ذي شاعرية فائقة. النقيب "بيزو فاش" نفسه رجل جاد ومحترم ومتدين جداً ولم يخطئ بحق أحد حتى النهاية، إنه أكثر استقامة من القس نفسه. إن براون ليس سونير ولا صوفي ولا هو تيبينغ أو سيلاس بطبيعة الحال ولا بيزو فاش، فمن هو؟
لعل "لانغدون" هو أقرب الشخصيات إلى براون الكاتب، فهو رجل علم محترف ومحايد تقريباً، إنه يتكلم عن الوثنية أو المسيحية من ناحية الحقائق والمعلومات المجردة ولكنه يظهر الكثير من التقدير للقديم الوثني. ومثلما خر لانغدون راكعاً على ركبتيه عند مرقد المجدلية في النهاية، يبدو أن دان براون خر راكعا أما باب الكنيسة (مجازاً) ليعقد صفقة صلح مع الكنيسة.

الفيلم
حشدت كولومبيا بيكشرز للفيلم أفضل ما يمكنها لتتأكد من نجاحه. فقد وظفت لمهمة الإخراج رون هوارد المخرج الكبير والمعروف والذي فاز بجائزتي أوسكار لأفضل فيلم وافضل مخرج عن فيلم "عقل جميل" سنة 2001م وشاركه في جائزة أفضل فيلم المنتج بريان غريزر الذي يشاركه إنتاج شفرة دافنشي. وله مع هانكس فيلم "أبولو 13" في عام 1995 وكان هو أول من منح هانكس دور البطولة في فيلم سبلاش عام 1984، وهناك أيضاً أعمال أخرى مميزة وحائزة على جوائز أخرى من مهرجانات في مناطق مختلفة حول العالم. حجز دور البطولة للمثل الكبير توم هانكس فاز من قبل بأوسكار أفضل ممثل لمرتين متتاليتين (1993-1994) وكانت هذه هي المرة الثانية فقط في تاريخ الأوسكار بعد سبنسر تريسي (1937-1938). أما دور الفرنسية صوفي فلم يكن أحد ليؤديه أفضل من أودري توتو ، الحائزة على جائزة سيزار (الجائزة الفرنسية الموازية للأوسكار) لأفضل ممثلة واعدة في العام 2000 قبل أن تنال ترشيح أفضل ممثلة عام 2002 و 2005.
دور بيزو فاش نقيب الشرطة القضائية الفرنسية المحترم والجاد والصارم أوكل للمثل الفرنسي الكبير جان رينو الحائز على ثلاثة ترشيحات لجائزة سيزار، وجائزة افضل إنجاز أوروبي في السينما العالمية عام 2000 من مهرجان الفيلم الأوروبي.
مهمة التأليف الموسيقي أوكلت للمؤلف الموسيقي الكبير هانز زيمر الذي نال ستة ترشيحات أوسكار وفاز منها بواحدة. أما جائزة الجمعية الأمريكية للمؤلفين والناشرين الموسيقيين فقد فاز بها للسنوات الخمس الماضية عن أفلام ناجحة في شباك التذاكر (قدم لنا من قبل المصارع وقصة قرش وسقوط الصقر الأسود والساموراي الأخير).
أوكلت مهمة كتابة سيناريو الفيلم إلى اكيفا جولدسمان الذي قام من قبل بكتابة سيناريو أفلام : "الرجل السندريلا 2005" و"أنا روبوت 2004" و"عقل جميل 2001" الذي أخرجه رون هوارد. يمكننا أن نقول أن التوقعات لم تكن لتكون أعلى مع وجود هذا الفريق. ويمكننا أن نقول هذا هو السبب وراء عدم حصول الفيلم على التقدير الكبير الذي كان يتوقعه الجميع، فالرواية رفعت من سقف التوقعات إلى مستوىً عالٍ جداً فهي مشوقة جداً وخلابة، وكولومبيا نثرت كنانتها ورأت اصلبهم عوداً ورمت به.
في الطريق
بدأ تصوير الفيلم في 8 يوليو 2005 وتم التصوير بالأساس في فرنسا وإنجلترا وصورت القلاع في اسكتلندا وبعض المناظر في مالطا. وبعد عشرة أشهر تقريباً في يوم 17 مايو 2006 بدأ عرضه الافتتاحي في السينما في عدد كبير من دول العالم من بينها عدة دول عربية هي البحرين وعمان والإمارات وقطر (وهي دول لا يوجد بها مسيحيون تقريباً) وسوريا (وهي بلد منفتح جداً ثقافياً) وفي إفريقيا نيجريا وكينيا وجنوب إفريقيا (الأفارقة ليسوا حساسين تجاه السينما كما أن الأديان التقليدية فيها واسعة الانتشار ربما إلى حد التأثير في المسيحية والإسلام).
بلغت تكلفة إنتاج الفيلم نحو 125 مليون دولار تقريباً وهي ميزانية كبيرة ولكنها ليست ضخمة. إن الفيلم ليس بحاجة إلى أعمال كبيرة في المؤثرات الخاصة وهي التي صارت ترفع تكلفة الأفلام بصورة رئيسية، كما أن توم هانكس ليس من الممثلين المغالين في أجورهم رغم انه يتقاضى اجر ممثلي الفئة الأولى التي تبلغ نحو 20 مليون دولار. لكنه يمكن أن يشارك في أي فيلم بغض النظر عن الأجر، وهو عمل في فيلم Catch Me If You Can مجاناً لصداقته الخاصة لسبيلبيرغ.
في العرض الافتتاحي، عطلة نهاية الأسبوع، حقق الفيلم أكثر من مائة مليون دولار في خمس دول فقط (وهذا رقم كبير يضعه في مصاف الأفلام الضخمة)، وبلغ دخله حتى 9 يوليو 2006 اكثر من 270 مليون دولار.
لكن ماذا عن الفيلم ؟
تسمى عملية تحويل رواية إلى فيلم بـ"معالجة سينمائية" للرواية فليس كل ما يكتب بالضرورة يمكن تحويله إلى صورة، كما أن التحدي المهم هو تحويل رواية تتكون من خمسمائة صفحة إلى فيلم معقول. يمتد وقت الفيلم إلى ساعتين وثلث وهذا إنجاز كبير.
في البداية لا بد أن نشير إلى أن هنالك مشكلات تواجهها كل الأفلام المقتبسة من روايات، وتبرز الأسئلة : هل سيكون الفيلم في جودة الرواية أم لا؟ هل سيلتزم حرفيا بالرواية أم سيكون اقتباساً عاماً يأخذ روح الرواية ولا يلتزم بالتفاصيل؟ هل وهل ...؟ هل سيكون الالتزام بالرواية هو سر النجاح، كما حصل في بعض الأفلام، أم سيكون سبب الفشل، كما حصل في بعض الأفلام؟
هذه أسئلة تقلق كاتب السيناريو والمخرج لكن الأمر المخيف فعلاً أن الجمهور يعرف القصة سلفاً ولا بد أنه رسم في مخيلته الصور الخاصة به أثناء القراءة. وهكذا فإن مشاهدة الفيلم هي ليست عملية استمتاع مجرد لكنها تتضمن بدرجة كبيرة محاكمة أو مقارنة بين الكتاب والصور التي رسمها القارئ والفيلم. عليه يبدو تقدير نقاد وزوار موقع imdb للفيلم (6.5 من 10) دليلا على جودة الفيلم أكثر منه انتقاصاً له.
لا شيء مختلف في الفيلم عن الرواية، بالتأكيد لا تفاصيل إضافية وإنما اختصارات اقتضتها ضرورة التحويل/المعالجة. توم هانكس في دور "روبرت لانغدون" قدم بدرجة كبيرة الأداء الذي تتوقعه منه، إلا إذا توقعت شيئاً خاصاً فوق العادة. وبرغم تحفظ البعض على انسجام هانكس وتوتو كبطلين، فلا يجب أن ننسى أن هذه هي المرة الأولى التي يتقاسما فيها بطولة فيلم، وقد نجحا في الحقيقة بانسجام مقدر. أودري توتو، أشهر الممثلات الفرنسيات الشابات، قدمت أداء مميزاً خصوصاً أن الفيلم أمريكي ومع طاقم أمريكي وفوق ذلك كان عليها أن تتحدث الإنجليزية باللكنة البريطانية. نجح الإنجليزي الشاب بول بيتاني بشكل مميز في أداء دور سيلاس المستميت في تنفيذ أوامر معلمه. أما الإنجليزي الآخر والأشهر إيان ماكيلين (المعروف أكثر بتجسيده شخصية غاندالف في فيلم سيد الخواتم 2001، والذي نال عنه ترشيحا للأوسكار) فقد بث حيوية غير عادية في دور لاي تيبينغ المؤرخ المهووس. هانز زيمر قدم أداء رفيعاً في التأليف الموسيقي يوازي الرواية نفسها. التصوير والمشاهد أنجزت بشكل فائق ومميز صار معه الفيلم تجربة جميلة في المشاهدة.
خاتمة
الكتاب جدير بالقراءة والفيلم جدير بالمشاهدة ليس بسبب التشويق والمتعة الفنية فحسب، وإنما أيضا لانهما، بشكل ما، يحثان الإنسان على التفكير والنظر فيما يعلم ويألف من الأشياء مهما كانت درجة اليقين والمعرفة أو الثقة ومهما كانت درجة قدسيتها. الرواية تقول لنا وبجرأة كبيرة أن ما نعلمه من أشياء بدرجة اليقين ربما يكون غير صحيح تاريخياً على الأقل. إن إعادة النظر والتفكير لا تعني بالضرورة بطلان ما تعلم أو تعتقد، لكنها ربما تختبر اعتقادك وتثبته في النهاية. قال مسيحيون متدينون أنهم شاهدوا الفيلم ولم يهتز إيمانهم أو اعتقادهم فالفيلم في النهاية ليس عمل تبشيري مضاد وإنما عمل فني للمتعة الذهنية بالأساس. عموماً ليست كل الأمور في حقيقتها مثل تبدو عليه في الظاهر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش :-
(1) بالإنجليزية Sion Priory و ترجمتها الصحيحة هي جمعية دير صهيون.
2. The Truth Behind the Da Vinci Code: A Challenging Response to the Bestselling Novel by Richard Abanes
3. De-Coding Da Vinci: The Facts Behind the Fiction of The Da Vinci Code, by Amy Welborn
4. The Da Vinci Code: Fact or Fiction (Mass Market Paperback)
by Hank Hanegraaff, Paul L. Maier
ملاحق :-
1. للمزيد من المعلومات عن الكاتب ورواياته الأخرى (وأحاجي والغاز متعلقة بها) يمكنكم زيارة موقع الكاتب الشخصي http://www.danbrown.com
2. انتجت شكرة كولومبيا بيكشرز فيلم ملائكة وشياطين Angels and Demons في العام  2009 من الرواية التي تحمل نفس الاسم، ويلعب الدور الرئيسي فيها روبرت لانغدون بطل رواية شيفرة دافنشي (يؤديه توم هانكس بالطبع)، وهي أيضاً قد حصلت على حقوق أي رواية قادمة يظهر فيها روبرت لانغدون.
3. تم انتاج لعبة كومبيوتر باسم Da Vinci Code واطلقت قبل الفيلم وهو أمر شائع مع الأفلام التي تحمل طابع التشويق.
4. تم تصنيفه ضمن فئة PG-13 ويعني التشديد على وجود رعاية أو رقابة الوالدين للأطفال دون الثالثة عشرة.
5. للحصول على معلومات عن أي فيلم سينمائي او أي شخص يعمل في مجال السينما فإن المرجع الأهم على الإنترنت هو www.imdb.com .

هناك تعليق واحد:

Unknown يقول...

تحليل ممتع وجميل وفخم وثري ،، وفي المقابل طمأنني على حالي إذ أنني شاهدت الفلم ولكنني لم أقرأ الرواية لذلك سأكون أفضل حالا ممن قرأ الرواية ثم شاهد الفيلم على ما أظن فلا توقعات مرفوعة جدا .

شكرا أستاذي السموءل