الثلاثاء، 15 فبراير 2011

هل يمكن أن نحيا حياة أفضل - 3


أَسْرَى عَالَمِ الصُّوَر
اسْتِهْلَال
"أَسرَى ، ولَو قَفَزَتْ سَنَابِلُنَا عَنِ الأَسْوَار
وَانْبَثَقَ السُّنُونُو مِنْ قَيْدِنَا المَكْسُور ،
أَسْرَى مَا نُحِبُّ وَمَا نُرِيدُ وَمَا نَكُون .."  محمود درويش – الهدهد
التَّوقُّف عن الإِدِّعَاء
ربما نقبل على مضض فكرة أننا لا نعرف أنفسنا بعد، أو لا نعرف أنفسنا كما ينبغي بتعبيرٍ أكثر لياقةً. إذا كانت المعرفة هي الإدراك الواسع والشامل، فالحقيقة هي أننا لا نعرف أنفسنا مطلقا. ما نعرفه عن أنفسنا هو الصور التي أنشأناها عنّا. أنا واضح، صريح، حقاني، طيب، جيد، لا أتحمل الإساءة، لا أفعل كذاءاتٍ معينة، وأفعل كذاءاتٍ غيرها. هذه الصور مجزأة محدودة وليست صادقة تماماً. هنالك إدراكنا لأنفسنا التي نحبها : نُجَمِّلها أكثر، نجعلها ناصعة أكثر، مع لمحة من التواضع الكاذب. وهنالك أيضا إدراكنا لنفسنا التي نخشاها : نتستر عليها، نخفيها. من انصع أنوارنا إلى أحلك ظلماتنا وكل التدرج اللوني بينهما تتجلى حقيقة ما نحن إياه. لكلٍّ منا ظلمته التي لا يريد أن يطلع عليها أحد، ولكلٍّ منا نوره الذي يريد أن يباهي به كل أحد. لننسى كل أحد وننعم النظر في هذه الشساعة المخلة المضطربة المشوشة. هذا أنا وأنت ونحن بلا ادعاء.
سُورُ الذِّكْرَيَات
لنعرف من نحن علينا أن ننظر بانتباهٍ عظيم وأعين مفتوحة على اتساعها للقبح يجاور الجمال فينا، كيف نعيش متناقضين هكذا، مشدودين هكذا بين الأفقين. علينا أن نعترف ثم نتعرف حقا على هذا القبح، أي قبحٍ هو، متى ينهض، متى يكبر وكيف، متى ينجح وكيف ثم نتستر عليه وننكره. ونتعرف على الجمال الذي تخلينا عنه إلا قليلا أي جمالٍ هو، متى ينهض ومتى يكبر وكيف، ومتى يشرق وكيف ثم ندعيه او نباهي به. علينا أن ننظر دون إغماضٍ أو خجل، ودون فخرٍ أو إعجاب. إذ نفتخر نتوقف عن الإدراك، إذا نستحي ونغمض أعيننا نتوقف عن الإدراك. لكننا دائماً نصطدم بسورٍ يحدنا ويغير اتجاه حركتنا، إنه سور الذكريات، اذ نتذكر حادثة او موقف بعينه يؤلمنا وينغص علينا راحتنا بشكلٍ ما، فننصرف اليه نُصَحِّحه في وهمنا نَعتَذر ونُبَرِّر ونَكذِب، ننسى ما كنا نفعل. لا إدراك حقيقي إلا خارج السور، إلا في تجاوزه. كلما سألنا أنفسنا تذكرنا شيئاً فاكتفينا بتلك الذكرى مُعرِّفاً ومُفسِّراً ثم وقعنا أسر الذكرى وشعرنا بالرضا أو الأسى حيال ما لم نعالجه جيداً في حياتنا. علينا أن نمضي إلى حيث لم نذهب من قبل، فلو كان في معرفتنا السابقة ما يُفيد لكنّا أحسن حالاً.
إخْلَاءُ الذِّهْن
يبدو أنه لا يمكن اكتشاف شيء جديد إذا كنا أسرى المعرفة القديمة. إذا كنا نعتقد أن الشمس تدور حول الأرض فلن ينفعنا سهر الليالي لخمسمائة عام في رصد النجوم وحركة السماء، ولكن عند الانفتاح على إمكان وجود تفسير جديد لنظام الكون يمكن تفسير حركة النجوم المتغيرة كما فعل كوبرنيكوس. وكذلك عند الانفتاح على وجود إمكانات هائلة، ونَسَق لم نلاحظه من قبل تتجلى معرفة جديدة.
لعلنا رغم إعجابنا بما نعرف وبأهميته الكبيرة والبناء التراكمي لخبراتنا نكون أقرب إلى الحقيقة عندما نضرب صفحاً عن ذلك كله، نُفرغِّ الذهن عن محتواه تماما. إنه أنفع ما يكون حين نتجاوزه. حينما نتجاوزه لن يزعجنا لو وجدناه غير صالح، أو اختبرناه فعاد علينا بالخلاصة القديمة، ولعلنا سنكون أكثر تيقنا هذه المرة. هذه المقاربة التي لا تركض وراء الفكرة وإنما وراء الحقيقة التي تثبت بعد الاختبار، هي أفضل ما نتعرف به على الحقيقة دائماً. إننا لا نسعى وراء ما نحب أو ما نكره، فقط ننشد حقيقة الأمر. هذه الحرية من كلّ قيد، قيد المعرفة، والذكريات، والوعي، والإدراك؛ قيد الخوف أحياناً، والجبن أحياناً، والعجز أحياناً، والغرور أحياناً، هي الزاد، الأداة، المنهج الذي نطلب به الحق ولعلنا حينها ندركه. بدون الحقيقة نحن في عالمٍ مُتَخيّل، وهمي، صنعناه لنشعر بالأمان أو بالرضا عن أنفسنا، لنشبع غرورنا.  لكن هل نقدر على التخلي عن الذهن الذي تعتمد عليه حياتنا اليومية؟ كلا. علينا أن نتخلى عن وعينا المشروط والمحدود والمقيَّد للذهن المشروط والمحدود والمقيَّد. فقط لا غير.
" أَنْسَى مَنْ أَكُون  لِكَي أَكُون " محمود درويش – قال المسافر للمسافر لن أعود ..
عَالَمُ الصُّوَر
لدينا فكرةٌ عن كلّ شيء، رأيٌ في كلّ شيء، صورةٌ جاهزةٌ لكلّ شيء، كلما ذُكِرَت أمامنا كلمة تخطر في أذهاننا صورٌ معينة. كلما واجهنا موقفاً أو شخصاً تخرج في وعينا صورةٌ معينة. هذه الصور هي خطة الذهن الكسول لعدم بذل الجهد الحقيقي في الاقتراب من الأشياء والناس واكتشاف الجديد. نشكو عندما يضعنا الناس في قوالب ويعاملوننا وفق صور جاهزة، لكننا نفعل بهم نفس الشيء. الأدهى أننا نفعل نفس الشيء حيال أنفسنا. كل ما نعرفه عن أنفسنا هو صور جاهزة نمطية متشاكسة ليست دقيقة كذلك. لا توجد صورة يمكن أن تصف كائناً حياً. الكائن في صيرورة لانهائية لا يمكن إمساكها مطلقا، حتى الصورة الفوتوغرافية لا تصلح لتعريف الكائن إلا وصفاً لما ظهر منه أوان التقاطها بالزاوية المعينة في المكان المعين على الهيئة والسمات التي سجلتها الآلة وفق قدرتها التقنية. فما بالك إذن بما لم يظهر، وما لا يظهر.
عالم الصور هو ما ندرك به الأشياء، وهو ما يضللنا. هل نستطيع أن نستفيد منه دون الوقوع في شرك تضليله ؟ أم أن الأَولَى أن نلغيه مرةً بعد مرة لنتلقى شيئاً جديداً وحقيقياً ؟
ننظر دائماً إلى حياتنا فلا نقدر على الشعور بالرضا حيالها، ألا يجدر بنا أن نجرب شيئاً جديداً، أن نحاول اختبار ما نخشاه، أن ننهض من وراء المتراس الذي نتحصن خلفه، لأنه غير موجود إلا في أوهامنا.
علينا دائماً أن نذكر أن الحياة مثل مباراة تذاع مباشرةً على الهواء ما يفوت منها لا يعاد، فقط يظل ذكرى على الشريط. وما على الشريط هو ما سجلته الكاميرا وليس كل ما حدث هناك. وما نفعله نحن هو الاستمتاع بالشريط وترك الحياة الحقيقية.
تَذْيِيل
"ذَوِّب هُنَا صَلْصَالَنَا لِيَشُقَّ صُورَةِ هَذِهِ الأَشْيَاءِ نُورْ
حَلِّقْ لِتَتَّضِحِ المَسَافَة بَينَ مَا كُنَّا وَمَا سَيَكُونُ حَاضِرُنَا الأَخِيرْ
نَنْأَى ، فَنَدْنُو مِنْ حَقِيقَتِنَا وَمِن أَسْوَارِ غُرْبَتِنَا . وَهَاجِسُنَا العُبُور " محمود درويش – الهدهد.

هناك تعليق واحد:

حزيفة ازهرى يقول...

من الاشياء الموسفة ان تكون عندك ذاكرة رائعة فى التصوير وتخزين الزكريات ويكون لك ماضى سئ......
ماذا وراء السور ؟ علم آدم الأسماء كي يفتح السر الكبير
والسر رحلتنا إلى السري . إن الناس طير لا تطير
يا هدهد الكلمات حين تفرخ المعنى وتخطفنا من اللغة الطيور
يا آبن التوتر حين تنفصل الفراشة عن عناصرها ويسكنها الشعور
ذوب هنا صلصالنا ليشق صورة هذه الأشياء نور
حلق لتتضح المسافة بين ما كنا وما سيكون حاضرنا الأخير